فاروق جويدة يكتب: مياه النيل وسيناء.. ولقاء لم تنقصه الصراحة
أتاح لنا الزميلان عبد المحسن سلامة رئيس مجلس الإدارة وعلاء ثابت رئيس التحرير لقاء ممتعا وجادا وعميقا مع وزير الخارجية سامح شكرى
في صالون الأهرام الذى جمع نخبة من كتاب الأهرام الكبار باختلاف مواقفهم وخلفياتهم الفكرية والسياسية مع كوكبة من شباب الأهرام الواعد..تحدث وزير الخارجية في قضايا كثيرة وكان واضحا وصريحا ومقنعا، وفى تقديرى أن سامح شكرى هو الرجل المناسب الذى جاء ومصر في احتياج لهذا الأسلوب في التعامل مع العالم الخارجى لقد جاء وسط عواصف دامية بعد ثورة 30 يونيو وخروج الإخوان من السلطة وكيف احتشدوا في عواصم العالم يشوهون ثورة المصريين ضد الاستبداد والتخلف تحت شعارات دينية كاذبة..لقد طاف سامح شكرى في عواصم العالم يشرح للرأي العام العالمى حقيقة ما حدث في مصر ويؤكد أن المصريين خرجوا واستطاعوا أن يقدموا نموذجا حضاريا في تجاوز محنتهم رغم حشود الإرهاب التى تحاصرهم..
> تحدث سامح شكرى فى اللقاء عن قضايا كثيرة على درجة من الحساسية حول مياه النيل وسد النهضة وإلى أين وصلت المفاوضات، والعلاقة مع أمريكا في ظل حكم الرئيس ترامب، والمفاوضات بين فتح وحماس وكيف احتضنت القاهرة جهود التقارب بين أبناء الشعب الفلسطيني وإن مصر بذلك تكمل دورها التاريخى في مساندة الشعب الفلسطيني، في كل المحن والأزمات، ودارت مناقشات حول الموقف مع دولة قطر ودعمها للإرهاب وموقف مصر والسعودية والإمارات والبحرين في هذه الأزمة واكد سامح شكرى أن أمام الدكتورة مشيرة خطاب فرصة كبيرة لتصبح على رأس منظمة اليونسكو وان موقف العالم تغير بصورة كاملة من الأحداث في مصر لكن مازلنا في حاجة إلى توضيح الصورة في كل ما جرى في السنوات الماضية، وان على مؤسسات الدولة أن تشارك في هذه المسئولية بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدنى وان الكثير من الاتهامات التى توجه لمصر حول قضايا الحريات وحقوق الإنسان لا تستند إلى الحقائق، وان مصر لا بد أن تستخدم قواها الناعمة ثقافيا وحضاريا وتاريخيا لكى يرى العالم الوجه الحقيقى للشعب المصرى انه صانع للحضارة وصاحب تاريخ عريق وان نثبت أن هذا لا يمثل الماضى فقط ولكن الحاضر أيضا يحمل شواهد نهضة حقيقة..
فى قراءة سريعة لما دار فى اللقاء هناك نقاط توقفت عندها لأن فيها قدر اكبر من الأهمية..
قلت ان الخارجية المصرية من افضل قطاعات الدولة المصرية فى أداء دورها ومسئوليتها تجاه العلاقات بيننا وبين العالم فى السنوات الأخيرة واننا كنا فى حاجة الى هذه الزيارات المكوكية لدول العالم لشرح وجهة النظر المصرية.. كانت رحلات الرئيس عبد الفتاح السيسى لدول العالم نقطة تحول اساسية فى توضيح صورة مصر امام العالم وهى تواجه تحديات ومؤامرات واتهامات على كل المستويات امنيا وسياسيا وإعلاميا، وان القاهرة نجحت فى ان تعبر كل هذه التحديات، ولنا ان نتصور كيف كان الحال بعد 3 يوليو من رفض كامل لكل ما يجرى وحصار ضار على كل المستويات وكيف تغيرت الحسابات واصبح العالم الآن يرى مصر على حقيقتها بعيدا عن مؤامرات التشويه والتضليل والإدانة..
> كان تقديرى ومازال ان قضية مياه النيل يجب ان تسبق كل القضايا فى ملفات العلاقات الخارجية المصرية، ليس فقط لأنها قضية حياة او موت ولكن لأنها اخطر قضايا الأمن القومى المصرى وان الغموض يحيط بالكثير من جوانب هذه القضية، وهناك حقائق كثيرة غابت عنا فى هذا الملف الخطير حتى اننا لا نعلم الكثير مما يجرى فى سد النهضة امام موقف غامض للجانب الإثيوبى..
كان رد الوزير واضحا، وهو ان مصر فى فترة احداث ثورة يناير غابت عنها حقائق كثيرة حول ما يجرى فى منطقة حوض النيل خاصة ما يتعلق بسد النهضة واستغلال الجانب الإثيوبى لحالة الفوضى التى اصابت الشارع المصرى رغم ان فكرة بناء السد ليست جديدة وانها سبقت فى التوقيت أحداث الثورة، اعترف سامح شكرى بأننا اهملنا ملف مياه النيل بل أهملنا العلاقات التاريخية بين مصر ودول افريقيا، وقد دفع ذلك الرئيس السيسى ان يزور عددا كبيرا من دول إفريقيا فى فترة زمنية قصيرة..
وقال شكرى إننا نتابع ما يجرى فى سد النهضة وهناك لجان على اعلى مستوى فى الدولة تتابع هذه القضية فنيا وهندسيا وجيولوجيا من خبراء الرى والتربة، وان هناك تنسيقا كاملا بيننا وبين السودان الشقيق فى قضية المياه لأنها تخصنا معا ونحن نسعى الى إيجاد اسلوب للتعاون بما يحمى مصالح جميع الأطراف ويضمن حقوقنا جميعا..
وحتى الآن فإن الأمور تمضى بصورة طيبة حتى وان كانت بطيئة لكننا نعتمد على جوانب كثيرة من الثقة فى الجانب الإثيوبى خاصة مع الإتفاق الذى وقعه الرئيس السيسى مع رئيس وزراء إثيوبيا والرئيس السودانى البشير بوضع ضمانات لحماية حقوق الدول الثلاث فى مياه النيل..
> قلت للوزير إن الشارع المصرى يدرك اهمية هذه القضية وخطورتها على حياة المصريين قال: هذه امور تقدرها تماما الدولة المصرية وتدرك أبعادها ولن تكون فيها مساومات او تنازلات امام حقوق تاريخية لها ضمانات دولية..
> ثارت قضية الأرض فى سيناء والحديث عن «صفقة القرن» فى حل القضية الفلسطينية وهل يمكن ان تدخل سيناء فى نطاق هذا الاتفاق وهذا الكلام نسمعه منذ سنوات وليس جديدا
قال:لا يمكن ان يساوم احد على حبة رمل فى سيناء، هناك حلول مطروحة لإقامة الدولتين ولكن لا احد يتصور ان الرئيس عبدالفتاح السيسى وهو ابن المؤسسة العسكرية المصرية يمكن ان يقبل التنازل عن حبة رمل فى ارض سيناء وهى التى شهدت دماء شهدائنا الأبرار من رجال جيش مصر العظيم..هناك اشياء لا تقبل المساومة.
> وماذا عن الأحداث فى سوريا وكل المؤشرات تؤكد ان الوطن السورى معرض للتقسيم فى ظل قوات أجنبية متعددة الجنسيات والأطماع .
قال الوزير:ان الوضع فى سوريا مازال خطيرا جدا ولم يحسم حتى الآن لا عسكريا ولا أمنيا ولا سياسيا، ولا يستطيع احد فى ظل هذه الحالة ان يتنبأ بشىء امام قوى اجنبية تحارب وامام جماعات إرهابية لم تهزم تماما وامام حالة من الغموض لا احد يعرف الى اين تمضى.. ان الموقف فى سوريا بعد سبع سنوات من المعارك مازال غامضا فى كل شىء فلا يوجد طرف حتى الآن حسم الموقف على الأرض فى ظل وجود قوات تحارب من اكثر من دولة.
> هل تؤيد مصر فصيلا معينا فى ليبيا رغم اهمية وخطورة ما يحدث هناك، وهو يمثل اهمية خاصة للأمن القومى المصرى.
قال سامح شكرى لا يوجد موقف مصرى مع فصيل معين فى ليبيا نحن مع كل الأطراف، لأن الذى يعنينا فى النهاية هو عودة الاستقرار الى الشعب الليبيى خاصة اننا نعلم ان هناك اطرافا دولية كثيرة تتدخل الآن فى الشأن الليبي، وليبيا لها اهمية خاصة فى القرار المصرى نحن مع الشعب الليبي.
> وماذا عن آخر التطورات فى العلاقة بين مصر وامريكا..
قال وزير الخارجية لاشك ان العلاقة بيننا وبين امريكا علاقة استراتيجية ولها مكانة خاصة ولكننا حاولنا فى الفترة الماضية ان نوسع من دائرة العلاقات مع دول العالم شرقا وغربا، لقد كنا نتجه الى الشمال الأوروبى دائما لسنوات طويلة ونسينا تماما جنوبنا الأفريقى والآن نحاول ان نعيد التوازن للعلاقات مع دول العالم الصين وروسيا والهند واليابان ودول حوض النيل وافريقيا بصفة عامة.
> ماذا عن المصالحه بين فتح وحماس برعاية مصرية..
قال : نحن مع الشعب الفلسطينى ولاشك ان المصالحة الفلسطينية قضية مهمة لأن الصراعات ضيعت فرصا كثيرة على قضية العرب الأولى، وعودة الوحدة الى الصف الفلسطينى انجاز ضرورى لأن الانقسامات أضرت كثيرا بالقضية الفلسطينية محليا وعربيا ودوليا ونحن فى كل الأحوال كنا سندا اصيلا للشعب الفلسطينى وسنبقى
> كيف ترى السياسة المصرية التوسع التركى فى العالم العربى فى وجود قوات تركية فى قطر وإقامة قاعدة تركية فى الصومال على مقربة من منابع النيل والقرن الإفريقى ومداخل البحر الأحمر..مع وجود قوات عسكرية تركية فى العراق..
لاشك ان التمدد العسكرى التركى فى العالم العربى يطرح تساؤلات كثيرة ويثير الكثير من الهواجس والشكوك عن اهدافه ومطامعه السياسية، وهو بلا شك محل متابعة ورقابة حتى تتضح الأهداف فى هذا الوقت العصيب
> ما الذى يضمن بقاء الموقف الموحد تجاه قطر من الدول العربية الأربع مصر والسعودية والإمارات والبحرين..
هناك مواقف واضحة وصريحة بين الدول الأربع على اعلى المستويات، وليس هناك ما يدعو الى التخوف من مواقف فردية قد تؤثر على وحدة القرار خاصة ان الموقف القطرى لم يتغير ومازالت مطالب الدول الأربع قائمة ولم يتغير فى مواقفها اى شىء ولا اعتقد ان هناك إمكانية لأى مواقف منفردة.
> كان السؤال الأخير..أين دور مصر الثقافى..
قال:هذا الدور من اهم ثروات مصر الحقيقية ولابد ان تسترده بقوة وهذا يحتاج الى كل مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية والنخبة المصرية العريقة..
> كان سامح شكرى واضحا ومقنعا وصريحا.
..ويبقى الشعر
وحين نظرتُ فى عينيكِ.
لاح الجرحُ..والأشواقُ والذكرى
تعانقـْنا..تعاتـْبنا
وثار الشوقُ فى الأعماق ِ.
شلالا ً تفجر فى جوانحنا
فأصبح شوقـُنـَا نهرا
زمانٌ ضاع من يدنا.
ولم نعرف له أثرا
تباعدْنا..تشردْنا
فلم نعرف لنا زمنـًا
ولم نعرف لنا وطنا
تـُرى ما بالـُنا نبكى؟
وطيفُ القـُربِ يجمعنا
وما يُبكيكِ..يُبكينى
وما يُضنيكِ..يُضنينى
تحسستُ الجراحَ..رأيت جُرحًا
بقلبكِ عاش من زمن ٍ بعيدْ
وآخرَ فى عيونكِ ظل يُدمى
يُلطـّخ وجنتيْكِ..ولا يريدْ
وأثقل ما يراه المرءُ جُرحًا
يعلُّ عليه..فى أيام عيدْ
وجُرحك كلَّ يوم ٍ كان يصحو
ويكبرُ ثم يكبرُ..فى ضلوعى
دماءُ الجرح ِ تصرخ بين أعماقى
وتنزفها..دموعى
لأنكِ عشتِ فى دَمِنا..ولن ننساكِ
رغمَ البعدِ. كنتِ أنيسَ وَحدتنا
وكنتِ زمانَ عفـِّتنا
وأعيادًا تجددُ فى ليالى الحزن ِ..فرحَتـَنا
ونهرًا من ظلال ِالغيبِ يَروينا..يُطهِّرنا
وكنت شموخَ قامَتنا
نسيناكِ!
وكيف..وأنتِ رغم البعدِ كنتِ غرامَنـَا الأولْ؟
وكنتِ العشقَ فى زمن..نسينا فيه
طعمَ الحب.. والأشواق.. والنجوَى
وكنتِ الأمنَ حين نصيرُ أغرابًا..بلا مأوى؟!
وحينَ نظرتُ فى عينيكِ..
عاد اللحنُ فى سمعى
يذكـّرنى..يحاصرنى..ويسألنى
يجيب سؤالـَه..دمعى
تذكرنا أغانينـَا
وقد عاشت على الطـُّرقاتِ مصلوبهْ
تذكرنا أمانينـَا
وقد سقطت مع الأيام ِ..مغلوبهْ
تلاقـْينا..وكل الناس قد عرفوا حكايتنا
وكل الأرض قد فرحت..بعودتِنـَا
ولكن بيننا جُرحٌ..
فهذا الجرحُ فى عينيكِ شىء لا تـُداريهْ
وجُرحى..آهِ من جُرحى
قضيْتُ العمرَ يؤلمنى..وأخفيهْ
تعالىْ..بيننا شوق طويلٌ..
تعالىْ..كى ألملمَ فيكِ بعضى
أسافرُ ما أردتُ وفيك قبرى..
ولا أرضَى بأرض ٍ..غير أرضى
وحين نظرتُ فى عينيكِ
صاحت بيننا القدسُ
تعاتبنا.. وتسألنا
ويصرخ خلفنا الأمسُ
هنا حلم نسيناهُ
وعهدُ عاش فى دمنا.. طوَيْناهُ
وأحزانٌ.. وأيتامٌ.. وركبٌ ضاع مَرساهُ
ألا والله ما بـِعناكِ يا قدسُ.
فلا سقطت مآذنـُنـا
ولا انحرفت أمانينا
ولا ضاقت عزائمُـنا.
ولا بخِلت أيادينا
فنارُ الجرح ِ تجمعنا
وثوبُ اليأس ِ يُشقينا
ولن ننساكِ يا قدسُ
ستجمعنا صلاة ُالفجر فى صدركْ
وقرآنٌ تبسَّم فى سنا ثغركْ
وقد ننسى أمانينا
وقد ننسى مُحبِّينا
وقد ننسى طلوع َ الشمس ِ فى غدِنـَا
وقد ننسى غروبَ الحلم من يدنا
ولن ننسى مآذننا.
ستجمعُنا.دماءٌ قد سكـَبناها
وأحلامٌ حلمناها.
وأمجادٌ كتبناها
وأيامٌ أضعناها
ويجمعنا. ويجمعنا. ويجمعنا.
ولن ننساكِ. لن ننساكِ. يا قدسُ.
قصيدة «لأنك عشت فى دمنا» سنة 1983