هل الأكل أمام التلفزيون مُضر بالصحة؟.. إليك الحقيقة
هل الأكل أمام التلفزيون مُضر بالصحة؟.. إليك الحقيقة
كثيراً ما تغري برامج التلفزيون والأفلام الناس لمشاهدتها وقت الأكل، فهل يكون تناول العشاء أمام التلفزيون فكرة جيدة؟.
عزيزي القارئ يمكن الاطلاع على كافة الأخبار فور حدوثها وتلقى كافة الخدمات على الإنترنت من خلال متابعة الحياة اليوم على صفحة الفيسبوك، ومتابعة الحياة اليوم على منصة إكس تويتر سابقا وكذلك متابعة الحياة اليوم على تيك توك، ولدينا صفحة خاصة على يوتيوب وكذلك خدمة الرسائل على الواتساب.
الشائع أن تناول وجبة العشاء أمام التلفزيون ليس أمراً صحياً، وقد نشأت هذه العادة في الولايات المتحدة في مطلع القرن العشرين، وتنعكس في صورة أشخاص مستلقين على الأريكة، وهم يأكلون وجبات من الطعام مُعالجة ومُشبعة بالملح والمكملات الغذائية.
ولكن ماذا لو أنك تناولت نوعاً آخر من الطعام وأنت تشاهد برنامجك المفضل؟، قد تعتقد أنك لو وضعت أمامك صحناً من الخضروات والحبوب الكاملة فستحصل على عادة صحية، ولكن مجرد فعل الأكل أمام التلفزيون قد يبطل مفعول كل تلك الخيارات الصحية.
هناك مؤشرات كثيرة على أن هذا قد يحدث، فالدراسات تشير إلى أن الاعتياد على الأكل ومشاهدة التلفزيون ليس مفيداً للصحة مهما كان نوع الأكل الذي تتناوله، وهذه هي الأسباب:
شدد العلماء منذ زمن طويل على أن المحيط الذي نكون فيه له دور أساسي في تحديد حميتنا، وهناك دراسات عديدة تبين العلاقة بين مشاهدة التلفزيون ومخاطر السمنة، بسبب انخفاض مستوى الحركة الذي يصاحب هذا النوع من السلوك.
من بين النظريات التي تفسر لماذا نأكل أكثر عندما نشاهد التلفزيون، حسب مونيك ألبلاس، أستاذة علوم الاتصال المساعدة في جامعة أمستردام، أن مشاهدة التلفزيون تؤثر على كمية الأكل التي نتناولها، وتشتت الذهن.
وذلك لأننا نكون مأخوذين بالحبكة الجذابة في الفيلم، فلا ننتبه إلى الأكل وإلى إشارات الجسم بأننا شبعنا، وهو ما يجعلنا نأكل أكثر مما هو مطلوب، وتشير دراسات أخرى إلى أننا لا نتذكر ما أكلنا عندما نكون أمام التلفزيون، ولا نستطيع أن نقدر الكمية، التي استهلكناها، فنأكل المزيد في وقت لاحق.
ووجدت ألبلاس أن الناس يستغرقون وقتاً أطول في الأكل عندما يكونون أمام التلفزيون، واستعملت بيانات من المعهد الهولندي للدراسات الاجتماعية، طُلب فيها من الناس تدوين يومياتهم على مدار الأسبوع، بما فيها الأكل أمام التلفزيون.
وتشير الدراسة إلى أن الناس لا ينتبهون إلى الكميات التي يأكلونها عندما يكونون أمام التلفزيون، لأنهم يكونون مشتتين.
وأشارت أيضا إلى أن الناس يستغرقون وقتاً أطول في الأكل عندما يأكلون أمام التلفزيون، مقارنة بالأيام التي لا يشاهدون فيها التلفزيون.
ولا تبين النتائج نفسها أن الناس بالضرورة يأكلون كميات أكبر، ولا نوع الطعام الذي تناولوه، لأن كل ما دونوه هو الوقت المستغرق في الأكل، وبطبيعة الحال، فإن الناس إذا كانوا منجذبين إلى قصة ما، فقد لا يتذكرون كم استغرقوا من الوقت أيضاً.
ولكن ألبلاس تقول إن الدرسات بينت أن هناك علاقة بين الوقت المستغرق في الأكل وكمية السعرات الحرارية المستهلكة.
وتضيف أن “بحوثاً مختبرية بينت أن الأكل المشتت يؤدي إلى زيادة الكمية المستهلكة، فكل الأدلة مجتمعة تشير إلى أن التشتيت له دور أساسي عندما نأكل أمام التلفزيون”.
والسبب الآخر الذي يجعلنا نأكل أكثر هو أن ذوق الطعام يختلف عندما ننتبه أكثر لما نأكله، ذلك لأننا لا نجد متعة الطعام نفسها عندما نكون مشتتين، وهو ما توصلت إليه الباحثة فلور فان مير في مركز بحوث سلامة الغذاء فاغنينغن بجامعة لايدن، في هولندا.
وباعتبارها إختصاصية أعصاب، أجرت فان مير العديد من البحوث في نشاط الدماغ البشري، عندما نأكل ونحن مشتتين، وفي إحدى هذه الدراسات، طُلب من المشاركين تذكر رقم طويل أو قصير، وهم يأكلون، والذين حاولوا تذكر الأرقام الطويلة، وجدوا أقل لذة في طعامهم.
ولاحظت فان مير أن دماغ المشاركين في البحث سجل نشاطاً أقل في المنطقة المرتبطة بالتذوق.
وتقول: “إذا لم تستطعم الطعام بالطريقة نفسها، فقد لا تكتفي، ومن المرجح أنك ستأكل المزيد لاحقاً”.
وترى فان مير أن “التلفزيون قد يكون وسيلة فعالة لحمل الأطفال على أكل الخضروات إذا لم يستلذوا طعمها”.
وتقول إن هناك نظرية مفادها أن البشر يسعون دائماً إلى تحقيق هدف المتعة، بمعنى أننا نتوقع أن نجد قدراً من المتعة في أي نشاط نقوم به وفي أي يوم من الأيام، وإذا لم نجدها فإننا نبحث عنها في مكان آخر، فإذا لم يكن البرنامج التلفزيوني في مستوى توقعاتنا فإننا نأكل أكثر لنعوض تلك المتعة الضائعة.
وحالتنا العاطفية أيضاً لها دول كبير في سلوكنا تجاه الأكل، فبعض البحوث تشير إلى أننا نختار أطعمة أقل “متعة” مثل الشكولاتة أو الفشار بالزبدة، إذا كنا نشاهد ما يفرحنا، مقارنة بمشاهدة شيء يحزننا.
ماذا نأكل عندما نشاهد التلفزيون؟
كشفت البحوث أيضاً أن مشاهدة إعلانات الطعام تجعل الناس عموماً يأكلون أكثر، ولكن ما يقلق الباحثين هو الربط بين إعلانات الطعام واستهلاك الأطعمة فائقة المعالجة، التي لها علاقة بالسنة وأمراض أخرى، بما فيها أمراض القلب.
وتشير الأدلة إلى أن مشاهدة سريعة لإعلانات الطعام تجعل الأطفال يختارون الأطعمة التي في الإعلانات، ويعزز تكرار هذه الإعلانات اختيارهم للطعام، وتقول فرناندا روبر، الباحثة في مركز التغذية والصحة بجامعة ساو باولو في البرازيل إن الأطفال يميلون أكثر إلى تناول الأطعمة فائقة المعالجة عندما يشاهدون التلفزيون.
وتضيف أن الأطفال يشعرون بأن الأطعمة فائقة المعالجة، أكثر ملاءمة للأكل أثناء مشاهدة التلفزيون، ولكن مشاهدة الإعلانات عن هذا النوع من الأطعمة له أيضاً دور في زيادة الاستهلاك.
ويكون المفعول أكبر إذا كان الأطفال يعانون أصلاً من السمنة، ربما لأن تأثرهم بإعلانات الطعام أكبر من غيرهم.
وعادة ما تكون الوجبات العائلية غنية بالخضروات والفواكه، ولكن روبر وجدت أن الأطفال يتناولون الأطعمة فائقة المعالجة أكثر عندما يشاهدون التلفزيون مع العائلة أيضاً.
وتقول روبر في هذا الصدد إن أي فائدة أشارت إليها بحوث أخرى في الوجبات العائلية يمحوها المفعول السلبي للتلفزيون أثناء الأكل، وهذا “يؤكد الترابط المعقد بين عادات الأكل ومؤثرات المحيط، ويدعو إلى إجراء المزيد من البحوث لفهم هذه العلاقة بشكل دقيق”.
الجانب الآخر من التشتيت
العلاقة بين مشاهدة التلفزيون والأكل معقدة، حتى فيما يتعلق بالتشتيت، فالبحوث تشير أيضاً إلى أن التشتيت قد يؤدي بنا إلى استهلاك كمية أقل، أو الامتناع عن الأكل تماماً، حسب فان مير.
فبعض المدارس في هولندا مثلاً، قررت تقصير يوم الدراسة، والسماح للتلاميذ بتناول وجبة الغذاء أثناء الدرس.
ويقتصر الدرس أثناء تناول الطعام على الاستماع أو مشاهدة فيديوهات تعليمية، ولكن فان مير تقول إن الكثير من الأولياء لاحظوا أن أولادهم يعودون إلى البيت دون تناول وجبة الغداء كاملة، بمعنى أنهم كانوا متشتتين فلم يأكلوا طعامهم.
وتوصل الباحثون إلى النتيجة نفسها في دراسات أجريت مع البالغين، ففي واحدة من الدراسات، شاهد المشاركون حلقتين من المسلسل الأمريكي “أصدقاء”، إذ شاهدت مجموعة من المشاركين حلقة واحدة مرتين، فيما شاهدت مجموعة أخرى حلقتين مختلفتين، وأثناء مشاهدة الحلقة الثانية منحت المجموعاتان نوعين مختلفن من الطعام.
وكشف الباحثون أن الذين شاهدوا حلقة واحدة مرتين تناولوا 211 سعرة حرارية زائدة مقارنة بالمجموعة التي شاهدت حلقتين مختلفتين، وهذا ربما لأنهم كانوا أقل تشتيتاً، حسب الدكتور ديك ستيفنسون أستاذ علم النفس بجامعة ماكواري في سيدني، أستراليا.
وبعبارة أخرى، فإنه إذا كان ما نشاهده على التلفزيون جذاباً، فإننا قد ننسى الطعام الذي أماماً، وإذا كان ما نشاهده مملاً، فإننا قد نأكل أكثر.
وفي دراسة صغيرة، شاهد المشاركون محاضرة مملة عن الفن في التلفزيون، وحلقات مسلسل جذاب، ومجوعة ثالثة لم تشاهد شيئاً، وأعطي لهم عنب ضعيف السعرات الحرارية، وشكولاتة عالية السعرات الحرارية، ولاحظ الباحثون أن المحاضرة المملة شجعت المشاركين عموماً على الأكل أكثر، أما المسلسل الجذاب فدفعهم إلى الأكل أقل من المجموعة التي لم تشاهد شيئا.
وبعبارة أخرى، فإنه كلما شعروا بالملل أكلوا أكثر. والغريب أن التغيير الأهم في الاستهلاك هو عدد حبات العنب التي أكلوها، أما كمية الشكولاتة فبقيت نفسها عموما.
فهل علينا تجنب مشاهدة التلفزيون أثناء الأكل؟
هناك نظريات عديدة تفسر لماذا نستهلك طعاماً أكثر عندما نأكل أمام التلفزيون، ولكن الدراسات المعتمدة في هذا الميدان تواجه العديد من التحديات.
فالباحثون غالباً ما يعتمدون على البيانات التي يقدمها المشاركون أنفسهم عن عاداتهم وسلوكهم أمام التلفزيون، ولكن الناس – حسب روبر – عادة لا يصرحون بكل ما يستهلكونه من أطعمة غير صحية.
ففي دراسة ألبلاس على الأقل، كان المشاركون يدونون كل نشاطاتهم اليومية، فلم يكونوا منتبهين إلى أنهم يبلّغون عن الأكل أمام التلفزيون.
ويدرس الباحثون سلوك الناس الذين يأكلون أمام التلفزيون في المختبرات، ولكن طبيعة مشاهدة التلفزيون تعني أننا مسترخون في البيت، فمحاولة خلق المحيط نفسه في المختبر مسألة قد تكون صعبة المنال.
وتقول روبر إن “أسلوب الملاحظة المباشرة قد يدفع إلى تغيير السلوك، فالمشاركون قد يغيرون من عاداتهم في الأكل، إذا عرفوا أنهم تحت المراقبة”.
وترى ألبلاس أن المطلوب هو المزيد من البحوث في المحيط الطبيعي، لأن سلوك الأكل وما يؤثر فيها مسألة معقدة جداً.
وتقول: “نعرف عن بعض الكيفيات التي يؤثر فيها التلفزيون على كمية ما نأكله، ولكننا هناك عوامل أخرى لا نعرفها، وعلينا فهما أكثر”.
فمدى تأثير مشاهدة التلفزيون على كمية ما نستهلكه من الطعام مرتبط بالعديد من العوامل، من بينها نوع المحتوى الذي نشاهده، حسب ستيفنسون من جامعة سيدني، فالمحتوى قد يغير مزاجنا، ولكنه قد يؤثر علينا بطريقة غير واعية، فإذا كانت الشخصية في التلفزيون تأكل، قد نشعر بالحاجة إلى الأكل، ويمكن لنسق البرنامج أن يؤثر أيضاً، فأفلام الحركة قد تدفعنا إلى الأكل أكثر، مقارنة بمشاهدة برنامج حواري، حسب إحدى الدراسات.
وبطبيعة الحل فإن الطعام الذي أمامنا ونوعيته مهمة أيضاً، إلى جانب مدى اندفاعنا نحو الطعام.
والتشتيت هو الآخر مسألة معقدة، فمشاهدة التلفزيون قد لا تكون أكثر تشتيتاً ولا أكثر تشجيعاً على الأكل مقارنة بالنشاطات الأخرى التي نمارسها أثناء الأكل، وأشار تحليل عدد من الدراسات إلى أنه لا دليل على أننا نأكل أكثر عندما نشاهد التلفزيون مقارنة بنشاطات أخرى نمارسها أثناء الأكل مثل القراءة أو لعب الفيديو أو الأكل مع الأصدقاء.
وتشير الدراسات إلى أن سلوك الأكل مسألة معقدة، يكاد تفكيكها يكون مستحيلاً، ولكن الأكيد أن تناول وجبة العشاء أمام التلفزيون له تأثير أوسع من مجرد الأطعمة المعالجة المشبعة بالدهون والملح، فإذا جلست لتناول وجبة صحية، الأجدر بك أن تفكر فيما إذا كنت ستفتح التلفزيون أم لا.