الحياة اليوممنوعات

هل ذبح سيدنا سليمان الخيول المجنحة التي لامثيل لها؟

هل ذبح سيدنا سليمان الخيول المجنحة التي لامثيل لها؟


كان سيدنا سليمان ملكاً نبياً وكان محباً للخيل مولعاً بحبها، يشرف على شؤونها والعناية بها بنفسه، ومما زاد في حبِّه لها ما حباه الله تعالى من خيول مُجنَّحة لا مثيلَ لها، فكانت عنايته بها أشدَّ من عناية أيِّ فارسٍ بفَرسه، ولذلك كان يحضر استعراضها كلَّ مساءٍ، ويمسح بيدِيه الشريفتين أعناقَها وسيقانها، يقول الله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)} والصافنات هي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة، والجياد: السراع.

ولَمَّا رأى سيِّدنا سليمان عليه السلام ما مكَّنه الله تعالى فيه، وآتاه إيَّاه من أسباب المُلك والقوَّة والنصر، ولَمَّا كانت الخيول المجنَّحة تلك محبَّبةً إلى نفسِه؛ تمنَّى أن يكون لدَيه من الأولاد عددٌ كبيرٌ يكفي ليكونوا فرساناً يمتطون صهوات هذه الخيول ليجاهدوا في سبيل الله تعالى معه، وقد دفعته تلك الأمنية إلى الثقة والاعتماد على الأسباب التي منحها الله تعالى له، وازداد في ولعه، فتمنى أمنية وطلب تحقيقها ونسي أن يرد أمرها إلى الله تعالى، وقال سبحانه {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)}.

ويحدِّثنا رسولنا الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم عن أمنية سيِّدنا سليمان عليه السلام تلك، وما وَقَع له فيها من الفتنة والاختبار الربَّانيِّ؛ فيقول: (قال سُليمان بن داود عليهما السلام: لأَطوفنَّ الليلةَ على مئة امرأة – أو تسع وتسعين- كلُّهنَّ يأتي بفارسٍ يجاهد في سبيل الله.

فقال له صاحبه: قُل إن شاء الله. فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهنَّ إلَّا امرأة واحدة، جاءت بشِقِّ رجلٍ، والذي نفس محمَّدٍ بيده؛ لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعين)، وحين أدرك أن حبه للخيل حال دون أن يرد الأمر إلى الله تعالى، أمر بإحضارها وذبحها ليطرد حبها عن أي شاغل عن الله تعالى فقال كما حكاه القرآن الكريم (رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)} [ص: 33]، وحكى الطبري في التفسير: كانت الخيل التي شغلت سليمان، عليه الصلاة والسلام عشرين ألفاً فعقرها. و”من بينها المجنحة”.
وفي كتاب البداية والنهاية لابن كثير هذه قصتها:
يذكر تعالى أنه وهب لداود سليمان عليهما السلام، ثم أثنى الله عليه تعالى فقال: “نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ” أي: رجاع مطيع لله، ثم ذكر تعالى ما كان من أمره فى الخيل الصافنات، وهي التي تقف على ثلاث، وطرف حافر الرابعة، الجياد: وهي المضمرة السراع.

“فَقَالَ إِنِّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّى حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ” يعني: الشمس، وقيل: الخيل على ما سنذكره من القولين.
“رُدُّوهَا عَلَي فَطَفِقَ مَسْحا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ” قيل: مسح عراقيبها وأعناقها بالسيوف، وقيل: مسح عنها العرق، لما أجراها وسابق بينها وبين يديه على القول الآخر.

والذي عليه أكثر السلف الأول، فقالوا: اشتغل بعرض تلك الخيول حتى خرج وقت العصر وغربت الشمس، روى هذا عن علي بن أبى طالب وغيره، والذى يقطع به أنه لم يترك الصلاة عمداً من غير عذر، اللهم إلا أن يقال: إنه كان سائغاً في شريعتهم فأخر الصلاة لأجل أسباب الجهاد وعرض الخيل من ذلك.

وقد ادعى طائفة من العلماء فى تأخير النبى ﷺ صلاة العصر يوم الخندق، أن هذا كان مشروعاً إذ ذاك، حتى نسخ بصلاة الخوف، قاله الشافعي وغيره.

وقال مكحول، والأوزاعى: بل هو حكم محكم إلى اليوم أنه يجوز تأخيرها بعذر القتال الشديد، كما ذكرنا تقرير ذلك فى سورة النساء عند صلاة الخوف.

وقال آخرون: بل كان تأخير النبي ﷺ صلاة العصر يوم الخندق نسيانا، وعلى هذا فيحمل فعل سليمان عليه السلام على هذا، والله أعلم.

وأما من قال: الضمير فى قوله حتى توارت بالحجاب، عائد على الخيل، وأنه لم تفته وقت صلاة، وإن المراد بقوله: “رُدُّوهَا عَلَي فَطَفِقَ مَسْحا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ”.

يعنى: مسح العرق عن عراقيبها وأعناقها، فهذا القول اختاره ابن جرير، ورواه الوالبىي، عن ابن عباس فى مسح العرق.

ووجه هذا القول ابن جرير بأنه ما كان ليعذب الحيوان بالعرقبة، ويهلك مالا بلا سبب ولا ذنب لها، وهذا الذى قاله فيه نظر، لأنه قد يكون هذا سائغا فى ملتهم، وقد ذهب بعض علمائنا إلى أنه إذا خاف المسلمون أن يظفر الكفار على شيء من الحيوانات من أغنام ونحوها، جاز ذبحها وإهلاكها، لئلا يتقووا بها، وعليه حمل صنيع جعفر بن أبي طالب يوم عقر فرسه بموته.

وقد قيل إنها كانت خيلا عظيمة، قيل: كانت عشرة آلاف فرس، وقيل: عشرين ألف فرس، وقيل: كان فيها عشرون فرسا من ذوات الأجنحة.

وقد روى أبو داود فى سننه: حدثنا محمد بن عوف، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أنبأنا يحيى بن أيوب، حدثنى عمارة بن عزية أن محمد بن إبراهيم حدثه، عن محمد بن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: قدم رسول الله ﷺ من غزوة تبوك أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت الريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة تلعب، فقال: “ما هذا يا عائشة؟”. فقالت: بناتي، ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع. فقال: “ما هذا الذى أرى وسطهن؟”. قالت: فرس. قال: “وما الذى عليه هذا؟”. قالت: جناحان. قال: “فرس له جناحان؟”. قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة. قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه ﷺ.

حصان طائر خيل مجنح
حصان طائر خيل مجنح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى