وزير الخارجية الروسي يكتب للأهرام: روسيا ومصر.. صداقة وتعاون عبر الزمن
وزير الخارجية الروسي يكتب للأهرام: روسيا ومصر.. صداقة وتعاون عبر الزمن
نحتفل سويا فى هذا العام بالذكرى الخامسة والسبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا ومصر. ويمثل هذا التاريخ بداية مرحلة جديدة بالغة الأهمية فى العلاقات بين الشعبين والتى تضرب بجذورها فى أعماق قرون طويلة. ويذكر التاريخ أن الرحالة الروس إبان الفترة من القرن الخامس عشر وحتى السابع عشر ممن قاموا برحلاتهم الى الشرق الاوسط سعيا وراء أهداف تجارية او بغرض الحج الى الاماكن المقدسة، نزلوا الى مصر للاطلاع على آثار الثقافة العالمية وأنماط حياة المصريين.
وقد بدأت علاقات التبادل التجارى الاقتصادى بين البلدين تتطور بشكل ديناميكى فى القرن التاسع عشر. فبينما كانت روسيا تصدر الى مصر الأخشاب والمنتجات الزراعية، كانت مصر تمدها بالقطن على نحو أساسى بدلا من ذلك. وقد أسهمت حركة العلاقات التجارية بين البلدين، فى تنشيط حركة الملاحة البحرية التجارية بين أوديسا والإسكندرية. ومع نهاية ذلك القرن، شهدنا افتتاح المؤسسات القنصلية فى كل من القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والسويس، فيما كان هناك القناصلة الوكلاء فى الاقصر وأسيوط والمنيا وغيرها من المدن المصرية.
وأثارت بلاد الأهرامات الكثير من اهتمام الادباء والعلماء وممثلى الأوساط الاجتماعية فى روسيا، ومنهم أساطين الادب العالمى مثل الكسندر بوشكين وميخائيل ليرمونتوف وليف تولستوى وأنطون تشيخوف. وفى النصف الثانى من القرن التاسع عشر ظهر علم المصريات فى روسيا، والذى كان فلاديمير جولينيشيف واحدا من أهم أعمدته. وهناك فى متحف بوشكين للفنون التشكيلية فى موسكو المجموعة الكاملة لمقتنيات ذلك العالم الشهير. وقد وجد الكثير من المهاجرين من روسيا فى عشرينيات القرن الماضى فى مصر الملجأ الذى احتضنهم حين اضطرتهم المصائر والأقدار الى مغادرة الوطن الام. وفى عام 1923 تاريخ إعلان مصر استقلالها، بدأت صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات الروسية ـ المصرية. وفى السادس والعشرين من أغسطس 1943، فى أوج سنوات الحرب العالمية الثانية، جرى إعلان إقامة العلاقات الدبلوماسية، فيما توصل البلدان فى عام 1948 الى توقيع أول معاهدة اقتصادية.
وقد استطاعت شعوب بلدينا توحيد جهودها باسم المثل العليا للحرية والسلام والحقيقة والعدالة. ووقفنا سويا جنبا الى جنب إبان أزمة السويس فى عام 1956. فيما كنا معا ابان حرب الايام الستة فى عام 1967 حين اتخذ الاتحاد السوفييتى ما يلزم من إجراءات من أجل دعم القدرات الدفاعية لمصر.
وآنذاك بالتحديد، جرى وضع الاسس والأشكال الجديدة طويلة الأمد للتعاون الاقتصادي، والذى كان من اهم رموزه بناء السد العالى ومجمع الحديد والصلب فى حلوان ومجمع الألومنيوم فى نجع حمادي. وحصل الألوف من الاخصائيين والخبراء على تدريبهم وتعليمهم فى العديد من مراكز التدريب المهنى التى أنشئت فى مصر. واستمدت العلاقات فى مجالات العلوم والثقافة بداياتها من ذلك التاريخ أيضا. وفى هذا الصدد نشير بكل الفخر الى ما تحقق من انجازات مشتركة.
ونؤكد أن ما تراكم من خبرات فى العمل المشترك، والاستناد إلى أسس الصداقة والثقة والاحترام المتبادل ومراعاة مصالح الآخر، يشكل اليوم الأساس المتين للعلاقات القائمة بين بلدينا، والتى ارتقت الى مستوى الشراكة متعددة الأوجه، والتعاون الإستراتيجى فيما بينهما.
ويتطور الحوار السياسى بشكل ديناميكي، فيما يتواصل نمو وازدياد حجم التبادل التجارى بين البلدين والذى تجاوز 6٫5 مليار دولار. وبدأ بالفعل تنفيذ المشروعات الضخمة ومنها بناء محطة الضبعة النووية فى نموذجها الروسي، وانشاء المنطقة الصناعية الروسية فى محور قناة السويس. ويساعد التعاون القائم فى المجالات العسكرية والتقنية-العسكرية، وكذلك بين الأجهزة الأمنية على مواجهة اخطار الارهاب بشكل أكثر فعالية. ويجرى اتقان واستيعاب الاشكال الجديدة للتنسيق بين بلدينا فى هذه المجالات. فقد جرت المناورات المشتركة لقوات المظلات «حماة الصداقة 2016، وحماة الصداقة 2017 فى الأراضى المصرية فى أكتوبر 2016، وفى الأراضى الروسية فى سبتمبر 2017.
ويتواصل أيضا التنسيق المتبادل بين برلمانى البلدين، وكذلك الوزارات والمؤسسات المختلفة، فيما يجرى تطوير القواعد التشريعية والقانونية. ومن الجدير بالإشادة فى هذا الصدد ما توصل إليه الجانبان من تشكيل للجان الحكومية للتعاون التجارى الاقتصادي، والتقنى العسكري.
ونحن نعرب عن اهتمامنا بتوسيع العلاقات فى المجالات الثقافية والإنسانية، والاتصالات بين شعبينا. ولعل ما جرى التوصل اليه فى ديسمبر من العام الماضى خلال زيارة الرئيس فلاديمير بوتين للقاهرة، من قرار حول استئناف حركة الطيران المباشر بين عاصمتى البلدين يمكن أن يساعد على تنفيذ تلك الاهداف، بعد انقطاع منذ اكتوبر 2015 فى اعقاب ما تعرضت له طائرة الركاب الروسية فى سماء شبه جزيرة سيناء من عملية ارهابية. ومن المهم اليوم مواصلة الجهود المشتركة التى تستهدف دعم أمن مواطنى البلدين بما فى ذلك على متن الطائرات، وهو ما يسمح عن يقين بالارتقاء الى مستويات جديدة من التعاون فى مجال السياحة.
ويستند الحوار الروسى ـ المصرى فى الساحة الدولية الى التمسك بتشكيل نظام عالمى متعدد الأقطاب أكثر عدالة وديموقراطية، يقوم على ما تضمنه ميثاق منظمة الأمم المتحدة من قواعد أساسية للعلاقات بين الدول. وتنادى كل من موسكو والقاهرة بضرورة تسوية مختلف النزاعات والصراعات عبر السبل السياسية والدبلوماسية وتوحيد المجتمع الدولى من أجل التصدى للإرهاب والتطرف، ودعم نظام حظر أسلحة الدمار الشامل. ونحن على استعداد لرفع مستوى التنسيق فى مختلف المجالات من اجل دعم الأمن والسلام فى الشرق الأوسط، وتأمين مراعاة حقوق شعوب المنطقة فى التحكم فى مصائرها.
وهكذا، يصبح من الواضح للعيان أن مصر وروسيا تملكان اليوم كل ما يلزمهما من أجل الارتقاء بالشراكة المتعددة الاوجه بين روسيا ومصر الى مستوى أعلى، بما يخدم مصالح ازدهار مواطنينا ودعم الاستقرار الإقليمى والعالمي. ولسوف نواصل مع الأصدقاء المصريين العمل من أجل تنفيذ هذه المهمة النبيلة.