لأول مرة بعد 17 عاما من الصمت.. أم أسامة بن لادن تتحدث عن حياة ابنها
لأول مرة بعد 17 عاما من الصمت.. أم أسامة بن لادن تتحدث عن حياة ابنها
أجرت صحيفة “الغارديان” مقابلات مع عائلة الجهادي أسامة بن لادن، المقيمة في مدينة جدة، وترجمة صحيفة النهار الحور المطول الذى أجرتها الصحيفة البريطانية في مدينة جدة السعودية، وإلى الحوار:-
على أريكة في زاوية غرفة فسيحة، تجلس امرأة بترقّب مرتديةً ثوباً مع نقشات ملوّنة. ينعكس الحجابُ الأحمر الذي يُغطّي شعرها على خزانة ذات واجهة زجاجية؛ وبداخلها، صورة فوتوغرافية مع إطار لابنها البكر تتصدّر المكان بين أغراض قيّمة متوارثة في العائلة. هو يظهر في الصور الفوتوغرافية الموزَّعة في الغرفة في وجهٍ ملتحٍ ومبتسم، ومرتدياً سترة عسكرية. وعلى طاولة الطعام الخشبية الطويلة، وُضِع العشاء المكوّن من مازة سعودية وقالب تشيز كايك بالليمون.
إنها علياء غانم، والدة أسامة بن لادن، وهي محط اهتمام جميع الموجودين في الغرفة. يجلس بجانبها اثنان من أبنائها الذين لا يزالون على قيد الحياة، أحمد وحسن، وزوجها الثاني محمد العطاس الذي تولّى تربية الأشقّاء الثلاثة. لكل واحد في هذه العائلة قصّته الخاصة يخبرها عن الرجل الذي ارتبط اسمه بصعود الإرهاب العالمي؛ لكن غانم هي محور الأنظار اليوم، فيما تتحدّث عن رجلٍ لا يزال، بالنسبة إليها، ابناً عزيزاً على قلبها ضلّ سبيله بطريقة من الطرق. تقول بثقة: “كانت حياتي صعبة للغاية لأنه كان بعيداً جداً عني”، مضيفة: “كان فتى صالحاً جداً، وكان يحبّني كثيراً”. غانم في متوسط السبعينات من العمر، وصحتها غير مستقرة. تقول مشيرةً بإصبعها إلى العطاس – وهو رجل نحيل ورشيق القوام يرتدي، مثل ابنَيه، ثوباً أبيض مكوياً بإتقان شديد: “اهتمَّ بتربية أسامة مذ كان عمره ثلاث سنوات. كان رجلاً صالحاً، وقد أحسن معاملة أسامة”. اجتمعت العائلة في إحدى الزوايا في القصر حيث يُقيمون الآن في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، وهي المدينة التي احتضنت جماعة بن لادن لأجيال عدة.
تبقى هذه الأسرة من الأكثر ثراء في المملكة: لقد تولّت الأمبراطورية التي تمتلكها العائلة في قطاع البناء والإنشاءات، تشييد الجزء الأكبر من المنشآت السعودية الحديثة، وهي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من الإستابلشمنت في البلاد. يعكس منزل آل بن لادن حجم ثروتهم ونفوذهم، ويقود درجٌ لولبي كبير في وسطه إلى غرف كهفية.
لقد ولّى شهر رمضان، ولا تزال أواني التمر والشوكولا التي تُزيَّن بها الموائد في عيد الفطر الذي يستمر ثلاثة أيام، موزّعة على الطاولات في مختلف أرجاء المنزل. تصطف في جانبَي الشارع حيث يقع المنزل، قصورٌ كبيرة؛ إنها المنطقة الميسورة في جدة. وفي حين أنه لا وجود للحرّاس أمام المنزل، آل بن لادن هم الأكثر شهرة بين سكّان الحي.
وتقول العائلة إن آخر مرة رأوا فيها أسامة كانت في أفغانستان عام 1999، حيث زاروه مرتَين في قاعدته بمحاذاة قندهار. تروي غانم: “كان المكان على مقربة من المطار الذي استولوا عليه من الروس”، مضيفة: “كان سعيداً جداً باستقبالنا. وكان يرافقنا في جولات على المكان في كل يوم من الأيام التي تواجدنا فيها هناك. قتلَ حيواناً وأقمنا وليمة، ودعا الجميع إليها”.
تبدأ غانم بالاسترخاء، وتتحدث عن طفولتها في مدينة اللاذقية على الساحل السوري، حيث نشأت في أسرة من العلويين. تقول إن المطبخ السوري متفوّق على المطبخ السعودي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الطقس على ضفاف البحر المتوسط، حيث الهواء الصيفي الدافئ والرطب يتناقض تماماً مع القيظ الشديد في جدة في شهر حزيران. انتقلت غانم إلى السعودية في منتصف الخمسينات، وقد أبصر أسامة بن لادن النور في الرياض عام 1957. تطلّقت من والده بعد ثلاث سنوات، وتزوّجت من العطاس، الذي كان آنذاك يعمل مديراً في أمبراطورية بن لادن الوليدة، في مطلع الستينات. وقد أنجب والد أسامة لاحقاً 54 ولداً من 11 زوجة على الأقل.
وعندما تنصرف غانم لتأخذ قسطاً من الراحة في غرفة مجاورة، يُكمل أخوَا بن لادن غير الشقيقَين الحديث. يقولان إنه من المهم الإشارة إلى أنه نادراً ما تكون الأم شاهدة موضوعية. يعلّق أحمد: “مضى 17 عاماً [منذ 11 أيلول]، ولا تزال في حالة إنكار بشأن أسامة. كانت تحبّه كثيراً، إلى درجة أنها ترفض إلقاء اللوم عليه. بدلاً من ذلك، تلقي بالملامة على الأشخاص الذين كانوا محيطين به. لا تعرف سوى الجانب الصالح منه، الجانب الذي رأيناه جميعنا. لم تتعرّف مطلقاً على الجانب الجهادي لديه”.
يضيف متحدثاً عن التقارير الأولى التي وصلت من نيويورك: “أُصبت بالصدمة والذهول. كان شعوراً غريباً جداً. أدركنا منذ البداية [أن أسامة كان الفاعل]، في خلال الـ48 ساعة الأولى. شعرنا جميعنا، من الأصغر إلى الأكبر بيننا، بالعار والخزي منه. وأدركنا أننا سنواجه كلّنا تبعات مروّعة. عاد جميع أفراد أسرتنا الذين كانوا في الخارج، إلى السعودية”. كان هؤلاء موزَّعين في سوريا ولبنان ومصر وأوروبا. يتابع أحمد: “فرضوا علينا حظر سفر في السعودية. حاولوا قدر استطاعتهم إبقاء العائلة تحت السيطرة”. تقول العائلة إنهم خضعوا جميعاً للاستجواب من السلطات، ومُنِعوا، لفترة معيّنة، من مغادرة البلاد. بعد انقضاء نحو عقدَين من الزمن، بات بإمكان آل بن لادن التنقّل، بحرية نسبياً، داخل المملكة وخارجها.